الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
وجملة ذلك: أنه إذا كان الرمي بين غرضين: فاختلفا: فقال أحدهما: يقف عن يمين الغرض، وقال الآخر: بل يقف عن يساره.. فإن الخيار في ذلك إلى من يبدأ بالرمي؛ لأنه لا مزية بالبداية، فكان له الاختيار في المكان. فإذا صار إلى الغرض الثاني.. كانت البداية بالرمي والاختيار في الوقوف في المكان إلى الثاني. فإن كان النضال من ثلاثة، فبدأ أحدهم.. اقترع الآخران، فمن خرجت له القرعة.. رمى بعد الأول، وكان له الخيار في المكان.
وجملة ذلك: إن إطلاق المناضلة تنصرف إلى المراسلة، وهو أن يرمي أحدهما سهمًا، ثم يرمي الآخر سهمًا، إلى أن يستكملا عدد رشقهما؛ لأن ذلك هو المتعارف في الرمي، ولأن الآخر يصلح قوسه إلى أن يرمي الآخر، فكان ذلك أولى. فإن شرطا أن يرمي أحدهما خمسة أسهم، ثم يرمي الآخر خمسة، أو يرمي أحدهما جميع رشقه، ثم يرمي الآخر جميع رشقه.. حملا على ذلك؛ لأنه لا يؤثر في مقصود المناضلة. فإن عقد النضال على أرشاق كثيرة، فإن شرطا أن يرميا كل يوم أرشاقًا منها معلومة.. جاز، وحملا عليه، وإن أطلقا ذلك.. جاز، وحملا على التعجيل، فيرميان من أول النهار إلى آخره، إلا أن يعرض عذر من مرض، أو ريح تشوش السهام، أو مطر؛ لأنه يرخي الوتر، ويفسد الريش. وكذلك: إن عرضت الحاجة إلى الطعام والشراب، أو قضاء حاجة الإنسان من غائط أو بول، لهما أو لأحدهما.. قطع الرمي لذلك. وإذا جن الليل.. قطعا الرمي؛ لأن العادة ترك الرمي بالليل، إلا أن يكونا قد شرطا الرمي بالليل، فإنهما يرميان به، فإن كان القمر منيرًا.. كفى، وإن لم يكن منيرًا.. فلا بد أن يكون معهما شمعة أو ما أشبهها؛ ليتمكنا من الإصابة.
ولا يجوز أن يختلفا في عدد الإصابة، ولا في موضعها؛ لأن المناضلة إنما تراد ليعرف بها فضل أحدهما على الآخر، فكانت موضوعة على التساوي.
أحدهما: أنه أراد باليد الرشق، فلا يكون رشق أحدهما أكثر من رشق الآخر، والرشق يسمى: يدًا، ووجهًا، ودستًا. والثاني: أراد به اليد في الحقيقة؛ لأن بعض الرماة قد يرمي وفي يده سهم أو سهمان، فأراد: أنه لا يجوز أن يشترطا أن يكون في يد أحدهما من السهام أكثر مما في يد الآخر؛ لأن من كثرت في يده السهام تشوش رميه.
أحدهما ـ وهو قول أبي إسحاق ـ: أنه لا يستحق شيئًا؛ لأن عوض المثل إنما يستحق في العقد الفاسد إذا تلفت منفعة العامل في نفع صاحبه، وهاهنا لم يحصل للآخر نفع، فلم يستحق عليه عوض المثل. والثاني: أنه يستحق عوض المثل. وهو الصحيح؛ لأن كل منفعة ضمنت بالمسمى في العقد الصحيح.. ضمنت بعوض المثل في العقد الفاسد، كالقراض.
وقال أبو إسحاق: يحتمل قولًا آخر، أن يبطل الشرط، ويصح النضال، كما قال الشافعي ـ فيمن قال: أصدقتك ألفين على أن تعطي أباك ألفا ـ: (إن الشرط باطل، والصداق صحيح)؛ لأنه شرط عليها ما لا يعود نفعه إليه. وهذا ليس بصحيح؛ لأنه تمليك شرط فيه شرط يمنع كمال التصرف، فإذا بطل الشرط.. بطل العقد، كما لو باعه شيئًا، وشرط على المشتري أن يتصدق بالمبيع، أو كما لو باعه شيئًا، واشترط عليه أن لا يبيعه. إذا ثبت هذا: فإن قلنا: يصح النضال.. كان الناضل بالخيار: بين أن يطعم أصحابه، أو لا يطعمهم، وإذا قلنا: لا يصح النضال.. لم يستحق الناضل المسمى، وهل يستحق عوض المثل؟ على الوجهين في المسألة قبلها.
وإن رميا عشرة، فأصاب أحدهما ثلاثة، والآخر أربعة، أو استويا في عدد الإصابة.. رميا ما بقي من الرشق؛ لأن كل واحد منهما يرجو أن ينضل صاحبه، فإن رمى المصيب أربعة سهمًا، فأصاب.. لم يرم المصيب ثلاثة ذلك السهم؛ لأنه لا فائدة له في رميه؛ لأن عليه إصابة سهمين، وقد بقي له من الرشق سهم. وإن أصاب كل واحد منهما خمسة من خمسة أو أكثر.. لم ينضل أحدهما صاحبه؛ لأن أحدهما لم يبدر إلى عدد الإصابة، وسقط رمي ما بقي من الرشق؛ لأنهما قد أصابا العدد المشروط في الإصابة. وإن شرطا إصابة خمسة من عشرين رشقًا محاطة، فإن رمى كل واحد منهما عشرة، وأصاب خمسة.. لم ينضل أحدهما صاحبه؛ لأن إصابتهما متساوية، فتسقط إحداهما بالأخرى، ولا يسقط ما بقي من الرشق؛ لأن كل واحد منهما يرجو أن ينضل صاحبه. وإن أصاب أحدهما عشرة أسهم من عشرين رشقًا، و أصاب الآخر خمسة من عشرين.. فقد نضل المصيب عشرة؛ لأن خمسة تسقط بخمسة، ويبقى له خمسة، وهو العدد المشروط. وإن رمى كل واحد منهما ستة عشر سهمًا، ولم يصب أحدهما شيئًا، أو أصاب كل واحد منهما سهمًا من سبعة عشر سهمًا، أو سهمين من ثمانية عشر سهمًا.. فالذي يقتضي المذهب: أن يسقط رمي ما بقي من الرشق؛ لأنه لا يرجو أحدهما أن ينضل صاحبه، فلا فائدة في رميه. وإن رمى أحدهما خمسة عشر، فأصابها كلها، وأصاب الآخر خمسة من خمسة عشر، فطلب صاحب الخمسة أن يرمي باقي الرشق.. لم تجب إجابته إلى ذلك؛ لأنه لا فائدة له في ذلك، لأن أكثر ما فيه أن يصيب صاحب الخمسة الخمسة الباقية له، ويخطئ الآخر فيها، ويبقى لصاحب الخمسة عشر خمسة، فينضله بها. وإن استويا في عدد الرمي، وبدر أحدهما إلى إصابة العدد المشروط قبل إكمال الرشق، فطالبه الآخر بإكمال الرشق، فإن كان يرجو أن ينضله، أو يساويه، أو يمنعه أن ينضله: فأما رجاء أن ينضله: فمثل أن يرمي أحدهما عشرة، فيصيب منها ستة، ويرمي الآخر عشرة، فيصيب منها واحدًا، ويرمي صاحب الواحد العشرة الباقية، فيصيبها كلها، فيكون له أحد عشر، ويخطئ الآخر بالعشرة الباقية، فيسقط ستة بستة، ويفضل للآخر خمسة. وأما المساواة: فبأن يصيب أحدهما عشرة من خمسة عشر، ويصيب الآخر خمسة من خمسة عشر، فربما رمى صاحب الخمسة ما بقي من الرشق، فأصابها كلها، وأخطأ فيها صاحبه، فيكون له عشرة ولصاحبه عشرة. وأما منعه أن ينضله: فبأن يصيب أحدهما أحد عشر من خمسة عشر، ويصيب الآخر سهمين من خمسة عشر، فربما أصاب صاحب السهمين الخمسة الباقية، وأخطأ صاحبه فيها، فيصير معه سبعة، فإذا سقط من أحد عشر ـ وهي إصابة صاحبه ـ سبعة.. بقي له أربعة، وهي دون العدد المشروط في الإصابة. فمتى رجا واحدًا من هذه الأحوال.. فهل له المطالبة برمي باقي الرشق؟ فيه وجهان: أحدهما: ليس له المطالبة بذلك؛ لأن صاحبه قد حصل له العدد المشروط من الإصابة بعد الحط، فلا معنى لإكمال الرشق، كما قلنا في المبادرة. والثاني: أن له المطالبة بذلك؛ لأن له فائدة في ذلك، بخلاف المبادرة، فإنه لا فائدة له في الإصابة بعد استوائهما في العدد المشروط.
فإن تفاسخا عقد المناضلة، ثم قال: إن رميت هذا السهم، فأصبت، فلك كذا.. جاز؛ لأن ذلك جعالة مبتدأة فيما له فيه غرض صحيح، وهو حثه له على الرمي والإصابة. قال ابن الصباغ: وينبغي أنه إذا قال: ارم هذا السهم، فإن أصبته فلك كذا ـ غير المشروط بينهما ـ ولا يعد هذا السهم من النضال الذي بينهما.. أن يجوز ذلك؛ لأنه خارج من المناضلة. فإن قال: ارم سهمًا، فإن أصبت، فلك كذا، وإن أخطأت فعليك كذا.. لم يجز؛ لأنه قمار.
إذا ثبت هذا: فقد ذكر الشافعي في هذا مسائل: الأولى منها: إذا رمى أحدهما سهمًا، فوقع في الهدف، ورمى الآخر خمسة، فوقعت أبعد من سهم الأول، ثم رمى الأول سهمًا، فوقع أبعد من الخمسة.. سقطت الخمسة بالأول، وسقط الذي بعد الخمسة بالخمسة؛ لأن الخمسة إلى الغرض أقرب منه. الثانية: إذا رمى الأول خمسة، فوقعت قريبة من الشن، وبعضها أقرب إلى الشن من بعض، ثم رمى الثاني خمسة، فوقعت أبعد من الخمسة الأولى.. سقطت الخمسة الثانية، وثبتت الأولى، ولم يسقط الأقرب منها الأبعد منها؛ لأن الأقرب من رمي أحدهما يسقط الأبعد من رمي الآخر، لا من رمي نفسه. الثالثة: إذا رمى أحدهما فأصاب الهدف، ورمى الآخر فأصاب الغرض.. أسقطت إصابة الغرض إصابة الهدف؛ لأن الأقرب إلى الغرض يسقط الأبعد منه، فلأن تسقط إصابة الغرض ما خرج عنه أولى. الرابعة: أن يصيب أحدهما الغرض، ويصيب الآخر العظم الذي في وسط الرقعة في الغرض، قال الشافعي [في "الأم" (4/149)] فمن الرماة: (من قال: تسقط الإصابة في العظم ما كان أبعد منها في الغرض)؛ لأنه لما كان القريب إلى الشن يسقط ما بعد منه.. كذلك القريب إلى الرقعة يسقط ما بعد منها. قال الشافعي: (والقياس عندي: أن لا يسقطه)؛ لأن الشن كله موضع إصابته، فليس بعض إصابته أقرب من بعض. الخامسة: قال الشافعي: (من الرماة من قال: إنهما يتقايسان النبل ما كان منه في الوجه أو عاضدًا، وليس هذا بقياس. والقياس: هو أنهما يتقايسان ما كان ساقطًا وعاضدًا. وخارجًا). وأراد بذلك: أن من الرماة من يقول: إنهما يتقايسان النبل، ويسقط القريب منه البعيد إذا كان ذلك في وجه الشن، وهو ما وقع بين يدي الغرض وأسفل منه، وهو المراد بقوله: (ساقطًا). وقوله: (عاضدًا): وهو ما كان من جانبي الغرض دون ما أصاب ما جاوز الغرض من فوق. وقال الشافعي: (ليس هذا بقياس، بل القياس: أنهما يتقايسان ما كان ساقطًا وعاضدًا وخارجًا، فيسقط الأقرب منها من أي جهات الغرض ما كان أبعد منها). السادسة: إذا رميا فأصابا الهدف، وكانا في القرب سواء إلى الهدف.. قال الشافعي: (تناضلا) يريد: أنهما سواء، فيسقطان.
وقال أبو علي بن أبي هريرة: لا يجوز؛ لأنه لا يجوز لأحدهم أن يأخذ بإصابة غيره. والأول هو المنصوص؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بحزبين من الأنصار يتناضلان، فقال: ارموا، وأنا مع الحزب الذي فيه ابن الأدرع» ولم ينكر عليهم. إذا ثبت هذا: فإن أرادوا التحزب.. فإنه ينتصب لكل حزب رئيس، يم يختار أحد الرئيسين واحدًا من الرماة، ثم يختار الرئيس الآخر واحدًا بإزائه، ثم يختار الأول واحدًا، ثم يختار الثاني واحدًا، إلى أن يستكمل كل واحد حزبه، فإن اختلف الرئيسان فيمن يختار أولًا.. أقرع بينهما؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر. وإن أرادوا أن يجعلوا الرئيس واحدًا في اختيار الحزبين.. لم يجز؛ لأنه تدخله التهمة، فيختار لنفسه الحذاق. ولا يجوز أن يختار أحد الرئيسين جميع أهل حزبه أولًا؛ لأنه يختار لنفسه الحذاق، بل يختار كل رئيس واحدًا على ما مضى. فإن قال أحد الرئيسين: أن أختار أولًا على أن أخرج السبق، أو على أن يكون السبق على حزبي، أو قال لصاحبه: اختر أولًا، على أن يكون السبق عليك.. لم يجز؛ لما ذكرناه من أن ذلك يؤدي إلى أن يختار أحدهما لحزبه الحذاق. فإن عدل بين الحزبين بالقوة والضعف، ثم اقترع الزعيمان على الحزبين.. لم يصح؛ لأن المناضلة كالإجارة في أحد القولين، وكالجعالة في الآخر، وأيهما كان.. فلا تدخله القرعة.
قال القاضي أبو الطيب: ظاهر هذا: أنه يكفي معرفة الزعيم لهم، ولا يصح حتى يتساوى الحزبان في العدد؛ لأن المقصود معرفة حذقهم، فإذا كان أحدهما أكثر عددًا.. كان الفضل بكثرة العدد لا بجودة الرمي، ويكون عدد الرشق منقسمًا بينهم؛ لأنه إذا لم يكن منقسمًا عليهم.. بقي هناك سهم، وتنازعوا فيمن يرميه. وتبنى إصابة بعض الحزب على إصابة بعض، وخطأ بعضهم على خطأ البعض؛ لأنهم بمنزلة الرجل الواحد.
فإن خرج من أهل الرمي إلا أنه كثير الخطأ، فقال أهل حزبه: ظنناه أنه كثير الإصابة.. وقد بان بخلافه، أو خرج كثير الإصابة، فقال أهل الحزب الآخر: ظنناه قليل الإصابة.. لم يسمع ذلك منهم. قال الشافعي: (وكان كمن عرفوه)؛ لأن شرط دخوله في العقد: أن يكون من أهل الصنعة دون الحذق والنقص، كما اشترى عبدًا على أنه كاتب، فبان حاذقًا فيها أو ناقصًا.. فإن ذلك لا يؤثر. وإن بان أنه لا يحسن الرمي أصلا.. بطل العقد فيه؛ لأنه ليس من أهل العقد. قال ابن الصباغ: ويبطل العقد في محاذيه؛ لأنا قد قلنا: إن أحد الزعيمين يختار واحدًا، ويختار الآخر واحدًا، وهل يبطل في الباقي؟ فيه قولان، بناء على تفريق الصفقة. فإذا قلنا: لا يبطل.. ثبت للحزبين الخيار؛ لأن الصفقة تفرقت عليهم. وذكر الشيخ أبو إسحاق: أن العقد يبطل في واحد من الحزبين غير معين. وهل يبطل العقد في الباقي؟ فيه طريقان: الأول: من أصحابنا من قال: فيه قولان. والثاني: منهم من قال: يبطل، قولًا واحدًا؛ لأن من في مقابلته لا يتعين، ولا سبيل إلى تعيينه بالقرعة. فإذا قلنا: لا يبطل، وتنازعوا فيمن يخرجونه بإزائه.. فسخ العقد.
أحدهما: يقسم بينهم بالسوية، كما يقسم على المنضولين بالسوية إذا التزموه. فعلى هذا: إن خرج فيهم من لم يصب.. استحق. والثاني: يقسم بينهم على عدد إصابتهم؛ لأنهم استحقوا ذلك بالإصابة، فإن خرج فيهم من لم يصب.. لم يستحق شيئًا.
قال المحاملي: و(الشن): هو الجلد المنصوب للرمي. و(الجريد): هو الطوق الذي يكون حول الجلد. و(العروة): هي التي يعلق بها ذلك الطوق. و(المعاليق): هي الخيوط التي تربط بالعروة؛ ليعلق بها الغرض، و(الغرض): هو الشن، والجريد، والعرى. إذا ثبت هذا: فإن شرطا إصابة الشن.. لم يعتد إلا بإصابة الجلد خاصة، دون ما زاد عليه. وإن كان الشرط إصابة الغرض، فإن أصاب الشن أو الجريد أو العروة.. اعتد له بذلك؛ لأن اسم الغرض يجمع ذلك كله، وإن أصاب المعاليق، وهي: الخيوط التي يعلق بها الغرض.. ففيه قولان: أحدهما: يعتد له بذلك؛ لأنهما من جملة الغرض، ألا ترى أن المعاليق إذا مدت.. امتد الغرض؟ والثاني: لا يعتد له بذلك؛ لأنه ليس من جملة الغرض، وإنما يراد لإمساك الغرض، فهي كالهدف.
قال أصحابنا: إذا وقع سهمه في فوق سهم ثابت في الغرض.. نظرت: فإن كان السهم الذي في الغرض لم يغرق إلى فوقه، بل باقيه خارج.. لم يحتسب لمن أصاب فوقه ولا عليه؛ لأن بين سهمه والغرض طول السهم. وإن كان السهم الذي في الغرض قد غرق فيه إلى فوقه؛ فإن كان الشرط في الإصابة مطلقًا.. احتسب له بالإصابة، لأنا نعلم أنه لولا فوق هذا السهم لأصاب الغرض، وإن كانت الإصابة هي الخسق.. لم يحتسب له ولا عليه؛ لأنا لا نعلم مع فوق هذا السهم الثابت، هل كان يخسق، أو لا؟ قال ابن الصباغ: فإن أصاب فوق السهم، وسبح على الشن، فأصاب الغرض. حسبت إصابته.
إذا ثبت هذا: فقد قال الشافعي في "الأم": (ولو رمى والشن منصوب، فطرحه الريح، أو طرحه إنسان قبل أن يقع سهمه.. كان له أن يعود فيرمي بذلك السهم؛ لأن الرمية زالت). قال ابن الصباغ: واختلف أصحابنا فيه: فذهب ابن القاص إلى: أن المسألة على ظاهرها، وأنه إذا أصاب مكان الغرض.. لا يكون إصابة؛ لأن محل الإصابة زال. ومنهم من قال: أراد الشافعي: إذا كان الشرط الخواسق، وكان الموضع ترابًا. على ما مضى بيانه، وهذا أصح. قال الشافعي: (فإن اتفقا على أن يرميا الغرض في موضعه الثاني.. جاز، كما لو اتفقا على ذلك ابتداء).
فأما إذا رمى وفي الجو ريح عاصف، فصرفت سهمه عن الإصابة، أو حملت سهمه، فأصاب.. لم يحتسب عليه ولا له؛ لأنه لم يصب بجودة رميه، ولا أخطأ بسوء رميه. وإن رمى من غير ريح، فثارت ريح بعد خروج السهم، فحملت سهمه، فأخطأ.. لم يحتسب عليه؛ لأنه أخطأ بعارض لا بسوء رميه، وإن أصاب.. فقد قال بعض أصحابنا: فيه وجهان، بناء على القولين في السهم المزدلف، وقال الشيخ أبو إسحاق: عندي: أنه لا يحتسب له، قولًا واحدًا. |